بقلم: الدكتور أحمد أبو العلا
استشاري أمراض الباطنة
تتصدر قضية قانون الإيجار الجديد المشهد التشريعي والاقتصادي في مصر، خاصة مع اقتراب تطبيق بنوده التي ستعيد رسم خريطة العلاقة بين الملاك والمستأجرين. ومع تزايد الجدل حول مصير الوحدات المؤجرة منذ عقود، تبرز إشكالية خاصة تتعلق بالمنشآت التي تقدم خدمات عامة أساسية مثل العيادات الخاصة والعيادات الحكومية التابعة للتأمين الصحي والصيدليات المنتشرة في الأحياء والشوارع الرئيسية.
الواقع يؤكد أن هذه الكيانات ليست مجرد عقارات مؤجرة، بل هي شرايين حياة يعتمد عليها ملايين المواطنين يوميًا. العيادات الخاصة – سواء كانت صغيرة تخدم أحياءً شعبية أو عيادات كبرى متخصصة – تمثل ملاذًا صحيًا سريعًا للمرضى، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى مستشفيات كبيرة. أما العيادات التابعة للتأمين الصحي، فهي جزء من المنظومة العلاجية الحكومية التي تقدم خدمات أساسية بأسعار رمزية أو بالمجان، ما يجعلها خط دفاع حيويًا لصالح محدودي الدخل.
الصيدليات أيضًا تدخل في قلب هذه الإشكالية، فهي ليست مجرد محلات تجارية، بل مؤسسات خدمية تمثل نقطة اتصال مباشرة بين المريض والدواء، ووجودها في مواقع استراتيجية بالقرب من السكان أمر لا غنى عنه.
لكن مع بدء تطبيق التعديلات الجديدة لقانون الإيجار، قد تجد هذه الكيانات نفسها أمام تحديات صعبة. فإلغاء عقود الإيجار القديمة يعني أن الملاك سيكون لهم الحق في تحديد قيم إيجارية جديدة وفق أسعار السوق، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة ضخمة في الإيجارات الشهرية. هذه الزيادة قد تنعكس على تكلفة الخدمات الطبية والدوائية المقدمة للجمهور، وربما تدفع بعض العيادات والصيدليات الصغيرة إلى الإغلاق، لتترك فراغًا يصعب تعويضه في منظومة الرعاية الصحية.
الحكومة والجهات المعنية مطالبة هنا بتبني رؤية متوازنة، تراعي حق الملاك في استعادة السيطرة على أملاكهم وفق القانون، وتضمن في الوقت نفسه استمرار هذه الخدمات الأساسية دون انقطاع. من الحلول المقترحة أن يتم وضع ضوابط خاصة للمنشآت الخدمية كالصيدليات والعيادات، بحيث يتم منحها فترة انتقالية مناسبة لتوفيق أوضاعها، مع إمكانية تقديم دعم حكومي أو حوافز ضريبية لتخفيف الأعباء المالية عليها.
إن صحة المواطن ليست مجالاً للتجارب أو المغامرات التشريعية. أي اضطراب في منظومة الرعاية الصحية بسبب الارتفاع المفاجئ في الإيجارات قد يفتح الباب لأزمات اجتماعية وصحية كبرى. لذلك، من الضروري أن يتبنى البرلمان والحكومة حوارًا موسعًا مع نقابات الأطباء والصيادلة وغرف صناعة الدواء، للوصول إلى حلول وسط تضمن استمرارية هذه المنشآت الحيوية، مع الحفاظ على التوازن المطلوب بين حقوق الملاك وحقوق المستأجرين.
إن قانون الإيجار الجديد يمثل خطوة مهمة لتنظيم السوق العقاري وتحقيق العدالة بين الأطراف، لكن نجاح هذه الخطوة مرهون بمدى مرونة تطبيقه ووعيه بطبيعة بعض المنشآت التي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بصحة وسلامة المواطنين. فالمعادلة الصعبة اليوم هي أن نحمي حقوق الملاك دون أن نُعرض حياة الناس للخطر أو نثقل كاهلهم بمصاريف طبية وأدوية قد تصبح فوق طاقتهم.